حوار مع المجاهد محمد ولد عروسي المدعو '' طوطاح الإسم الثوري ''
الجزء الأول ..
محمد طوطاح ولد العروسي، شاب خرج من رحم الحياة الريفية ،عاش طفولته بوسائل البراءة تعلم ماتيسر من القرآن في الزوايا القرآنية وحرم ككل الجزائريين من مواصلة التعليم ، صنعته الحياة فساهم في صناعة الحياة بتضحياته من أجل استرجاع وطن مفقود، كبرت معه الوطنية، وما إن هبت رياح الثورة حتى كان من أوائل الشباب الذين لبوا النداء، احتضنته الثورة فأحتضن آمال أمته ليكون واحدا من أبنائها البررة مجاهدا، ومن أسرة المجاهدين
- من هو سي محمد طوطاح ولد عروسي ؟
هو الضابط محمد المدعو '' طوطاح الاسم الثوري '' ولد في شلاله العذاورة عام 1939ولاية المدية '' تيطري سابقا '' من أبوين كريمين أبوه '' لهجرشي '' وأمه بوطهاري ''عائشة '' توفي والده عام 1945 وهو لم يبلغ من العمر خمس سنوات، كفلته أمّه وشبّ على حبها متشبثا بالأرض وغرست فيه ومنذ نعومة أظافره بذرة الوطنية،وقد توفيت عام ,1960 والمرأة العذاورية بقيت صامدة أبيّة ، فقدّمت الأم ابنها، والزوجة رفيق دربها من أجل تحرير الجزائر،كانت الأسرة العذاورية متضامنة متعاونة،في هذا البيئة تلقى '' طوطاح '' تعليما في مقرأة الدشرة وحفظ ماتيسر من القرآن الكريم كانت حياته نابعة من بيئته المجاهدة، فهو رجل كامل النضج حيوي كثير السفر يحب الخير سمح المخالطة، قصيرة القامة، بدين ابيض البشرة وسيم، يبسط يديه لكل مخلص منصف كريم مبذال نزيه، يعتبره الكثير من الشواهد التاريخية لشلالة العذاورة المجاهدة ، تحيط به الأسرار التاريخية، اشتهر وشاع صيته إبان الثورة وبعد الاستقلال وأصبح إسمه مفخرة ورمزا، ويكفيه شرفا أن أسرته مجاهدة وهو من السباقين إلى نداء الثورة .. بعد الإستقلال تقلد مناصب سياسية وإجتماعية وما يزال عضوا في المنظمة الولائية للمجاهدين والكل يكن له المحبة والتقدير ..
- كيف جاءتك الفكرة وإلتحقت بصفوف المجاهدين في ثورة التحرير،حدثنا عن إنطباعاتك في أول يوم تلتحق فيه بالثوار؟ وكيف كانت المعنويات وقد صرت مجاهدا ؟
تململ على الفراش وكان مضطجعا ثم استوي جالسا، وشهق متنهدا وقال : إنتظرنا نحن الشباب هذا اليوم الأغر بفارغ الصبر،وكنت يومئذ أبلغ من العمر سبعة عشرة ربيعا، بين إخوة ثلاثة نقيم بإحدى روابي شلالة العذاورة بمكان يسمى لقباب '' شنيقل '' قبّالة الكاف لخضر، نستطلع أخبار الثورة ونتابع أحداثها بشوق، وقد هبّت رياحها زاحفة من أوراس وبلاد القبائل، وقد وصلت طلائع من المجاهدين جبال ديرة والكاف لخضر وجبال الصبّاح كموج طفيف، أين تمركزوا بأدغالها وأخاديد دروبها، وشرعوا للتو في بناء نسيج داعم للثورة معززا لصفوفها نواة من شباب المنطقة، ثم حرك كوب الشاي وداعب حبات الكاكاو التي صعب عليه ابتلاعها في غياب أسنانه، استرجع أنفاسا لتتداعى الذكريات كقطع الليل، فانبرى يحدثنا بسيل من الحكايات، نكس رأسه هنيهة وقال: كنت احتفظ بالبذلة العسكرية أخفيها مع لوازم أخرى وكنت انتظر الفرصة المناسبة، وعندما أزفت الآزفة ودق ناقوس النداء عام ,1956 تلفعت الزىّ العسكري ووضعت القبة العسكرية على الرأس، واحتفظت في الجراب بالزاد، وتوكلت على الله ملتزما الصمت والحذر '' وكل عيش بعد الشباب فضول ''
سرت تحت أجنحة أضواء الأقمار أحث الخطى لأجد المجاهدين في بيت المجاهد المختار البدوي كالليوث يزأرون، فانتشيت لما تمنطقت حزام الذخيرة وقضيت مع الأخوة لحظات ماتعة، تجندت في الولاية السادسة بالمنطقة الأولى بشلالة العذاورة، وكان يومئذ على رأس الولاية العقيد علي ملاح '' سي الشريف '' كان الاستقبال مشهودا، خلا بي الضابطان علي الزيوش وعمرالشايب وزوداني بتوجيهات عسكريّة صارمة، مع بزوغ فجر اليوم الموالي اقتفى اثري أخي الكبير عبد القادر، وقد جاء يطلبني فامتنعت وبإلحاح منه قابلته، طلب مني العودة إلى البيت لأن أمّه في حاجة إليه، قال : هو الأكبر والأجدر بالمهمة الجهاديّة، فقلت ولما لاأكون أنا الأصغر والأجدر أو نتجند معا، فلم يعد لدينا مانخسره، فوجودنا في البيت بلا طائل هذا مكاننا الصحيح، أصررت على قراري وإذا بي أجده إلى جانبي في كتيبة واحدة وهو رجل ذو قدر وفضول، وقد استشهد عليه الرحمة والرضوان في عام 1959 بنواحي سيدي دمد '' عين بوسيف '' بعد مقاومة شرسة مع العدو الفرنسي، ولم يستسلم حتى سقط عليه المنزل بكامل جدرانه، واستشهد تحت الردم إثر قصف بالمدافع والطائرات، مازلنا نذكر المعركة و ذاك اليوم المشهود .. كان الشباب عهدئذ يلهثون وراء رغيف الخبز الهارب من يومياتهم البائسة، كانت البطالة تنهش الأكباد وتبدد أحلام الشباب، غرباء في أرض إبتلعها المعمرون وتخيروا لمن يخدمها من الجزائريين الأكثر بؤسا وحرمانا وصبرا على الأذى والاستبداد، كانوا لا يسمحون للشباب بالعمل حتى يروّضوهم على الطاعة العمياء ويطأطؤؤا رؤوسهم، ولامفر من الرضوخ أو الاستسلام للموت البطيء والشباب يومئذ اختاروا خلع لباس الذل والمسكنة، وسلكوا النهج السليم، نهج الجهاد في سبيل الله وتحرير الوطن '' فعزة الموت خير من ذل الحياة '' وكانت المنافسة على أشدها بين الأخ وأخيه كما حدث بينه وبين شقيقه عبد القادر، وبين الأب الشهيد المختار البدوي مع ابنه المجاهد مبارك، عندما خرجا الاثنان في عام 1956 ليظفر الأب بالشهادة عام 1958 ويقع الإبن أسيرا .. { السبع سبع وان كلت مخالبه * والكلب كلب وان كلل بالذهب } لقد شكلت الثورة من الأسرة الواحدة مجاهدين وفدائيين ومسبلين وقواعد دعم وإسناد ،كنت أعتز وأتفاخر بالبندقية على الكتف وأنا أرحل مع مجموعتي نقتحم أوكار العدو ونصنع المفاجأة،كنا متفرقين في فجاج الأرض نتنقل من مكان إلى آخر بخفة ورشاقة ونجوب الهضاب، ونقطع مسافات في السهوب على الأقدام والأرض مكشوفة، ونصل إلى جبال الصحاري والطريق إليها عارية، نصوم اليوم كله واليومين، ونأخذ حبات قمح نطهيها على الجمر '' قلية'' ونفتقد الماء ولا نشرب إلا غديرا إن وجد '' ولوكان الفقر رجلا لقتلته.. '' كما يقال، كنا نقتفي أثر الخونة جيش بلونيس في الجنوب، ونلاحق جيش الشريف بن السعيد في الشمال، وفرنسا تجرهم للهث خلفها أينما ذهبت ليكونوا وقودا في معاركها ودروعا لأبنائها، ضرباتنا كانت موجعة للثلاثة، ومن منا لايخرج من المعركة إلا مضرجا بالدماء، نخرج وجراحاتنا نازفة، مثقلين بأتعاب ولذة النصر بادية على الوجوه المشرقة نورا بشوق الشهادة، ولا ننسحب حتى نواري أجساد الشهداء تربة المكان ونودعهم مكبرين مهللين معاهدين الله على المضي في تحرير وطننا.. فرنسا كانت قويّة هذه حقيقة، وجيشها مدرب، وسلاحها رفيع المستوى، ووسائلها ضخمة ومتطورة، وعملاؤها كثر، ونحن الأقوى إرادة والأشد بأسا وتصميميا، عقيدتنا قاهرة لاتهزم وذلكم هو سر نجاح الثورة وانتصارها، ذات يوم وفي إحدى معاركنا في جبال الصحاري، كنا متمركزين قرب زاوية الشيخ بختي '' بلدية عين افقه '' نتضوّر جوعا وعطشا، عندما داهمتنا قوات الاستعمار في إحدى الأمسيات الباردة وجرت بيننا مشادات عنيفة، انسحب إثرها العدو وترك جنوده قبعاتهم على الصخر للتمويه وإخلاء مواقعهم، هربا من الموت متسللين عبر الوادي، ولما اكتشفنا أمرهم قمنا بمطاردتهم كالذباب، ونحن نوقع في صفوفهم ذعرا وهلعا فيتركون بعض أدواتهم ويهربون ..
اترك تعليقا: